مراسل جريدة المشرق : أهالي مدينة الموصل بين مطرقة داعش و سندان الحكومة العراقية ...

:قراءة في أوضاع الموصل الجريحة

الموصل الحدباء أم الربيعين مدينة الأنبياء تلك المدينة الجميلة التي عاش أهلها بسلام طيلة عصور، وفي برهة من الزمن تجد نفسها في أحظان وحوش العصر ما يعرف بتنظيم الدولة الإسلامية  (داعش)  ، قبل دخول هذا التنظيم إليها بسنتين عاشت وضعا أمنيا جيدة إلا انه سرعان ما بدأ يتلاشي قد يرجع إلى خلافات بين حكومة المركز والإدارة المحلية.

 تلاشى الوضع و دخل بتنظيم الدولة الإسلامية  (داعش) رافعا شعارات براقة في التحرير والخلاص من الظلم، و بدأ في جذب الناس إليه بشتى الطرق والوسائل كفتح الطرق التي كانت القوات الأمنية الحكومية دائما ما تغلقها لظروف أمنية، وتوفير بعض الخدمات البسيطة التي كانت الحكومة عاجزة عن توفيرها، وإصدار خليفتهم المزعوم أبو بكر البغدادي عفوا بحق منتسبين للقوات الأمنية بشرط التوبة، كل هذه الأمور دعت إلى اجتذاب عامة الناس باستثناء شريحة المثقفين  . و بدأ الناس يشيدون بدور تنظيم الدولة الإسلامية  في المحافظة و ما قدمته لهم من خدمات وباتوا وكأنهم مستغنين عن دولتهم الأم (العراق ) ، إلا انه و بمرور أشهر قليلة من سيطرة التنظيم على الموصل حتى بدأت بربريته وهمجيته واضحة للعيان ، حيث بدؤوا ببخس الناس أشياءهم و فرضوا الضرائب والإتاوات على كل صاحب محل تجاري وعلى كل فلاح أو تاجر . كما فرضوا على  المنتسبين للأجهزة الأمنية مبلغ معين يجب دفعه كبدل سلاح خوفا من تفكيرهم في الهرب خارج المدينة والعودة إلى مؤسساتهم و ذلك بعد أن طلب منهم إعلان التوبة بالقسم ، كما طالبوهم بالحضور كل شهر لتثبيت حضورهم لدى الأجهزة الأمنية التي أنشأها التنظيم في المدينة.

ثم ارتكب التنظيم خطأ ربما حولت تأييد الناس المعنوي لهم بادئ الأمر إلى حقد وكره باطني ورغبة في الخلاص منهم بأي شكل،حيث قام بتفجير مراقد الأنبياء و الأولياء الصالحين و التي تعتبر من العلامات التاريخية المضيئة لمدينة الموصل، كما فرض أمور تتعلق بالمظهر كعدم حلاقة الشعر على طريقة القصات الغربية و لزوم إطالة اللحى للرجال و وجوب لبس الخمار للنساء ...

و بدأت الأوضاع المعيشية في المدينة بالتدهور من سيء إلى أسوء حيث تواجه المدينة شحا في الأدوية و المواد الغذائية ، ويعيش أهالي الموصل إلى اليوم بين مطرقة "داعش" وسندان الحكومة التي لم تتمكن من مد يد العون لسكانها وخاصة الموظفين الحكوميين الذين يعيشون اليوم داخل المدينة و لم يتسلموا رواتبهم ومستحقاتهم المالية منذ شهور ، وقد اصدر مجلس الوزراء مؤخرا قرارا يقضي بجمع أسمائهم و التدقيق فيما إذا كان فيهم من انتمى إلي 'تنظيم الدولة' قبل إرسال مستحقاتهم ،علما أن عملية التدقيق هذه تستغرق أشهر لإكمالها في وقت يكون فيه هؤلاء الموظفين بأمس الحاجة إلى هاته الرواتب .

المواطنين يعيشون في وضع مزري للغاية وحتى الخروج من المدينة لم يعد ممكن لهم بعد فرض تنظيم الدولة عليهم البقاء في المدينة وعدم الخروج منها إلا بشرط الكفالة أو رهن بيت أو سيارة (ربما لاستخدامهم كدروع بشرية لاحقا) ، و من يتمكن من الخروج متجها نحو بغداد لإكمال معاملة أو ما شابه يتعرض في طريقه إلى مضايقات من قبل مليشيات شيعية بحجة أنهم منتمون لـ "داعش" .

أصبح أهل الموصل في حيرة من أمره ففي الداخل يتعرض أحيانا للقصف من قبل طائرات التحالف وطائرات الحكومة العراقية والتي لطالما قصفت أهداف مجهولة راحت ضحيتها العديد من العوائل البريئة القاطنة في بيوتها خوفا من هذا و ذاك ، وان نجا أحدهم وخرج من المدينة فماذا سيكون بانتظاره غير التضييق والخطف والسلب من قبل الميلشيات المرابطة في الطريق .

حقيقة الأمر الوضع في المدينة مأسوي جدا مع تباطؤ الحكومة في السير بجهود فعلية لتحرير المدينة ، مع اعتقادي أنه كلما تباطأت صعبت عملية تحريرها لأن تنظيم ما يعرف بالدولة الإسلامية يزداد تمسكا بالأرض ومن غير المقنع أن يقعدوا مكتوفي الأيدي إزاء جهود تحرير المدينة الطفيفة من قبل الحكومة فهم (داعش ) في المقابل يقومون بعمليات تفخيخ للشوارع واستمالة اكبر قدر ممكن من المؤيدين ،  وبين هذا وذاك عزم الحكومة على تحرير الموصل و رغبة "داعش" في دخول بغداد يبقى أهالي الموصل أسرى جماعات بربرية همجية لا تمت للإسلام بصلة سوى الاسم.

أحمد عبد الغني اللويزي